قصص
By:
  • أولكا بورزينكوفا
  • أحمد كاكة

البصرة، العراق – يتردد صدى أصوات الآلات الإيقاعية التقليدية في أجواء تشرين الثاني الدافئة، عندما تبدأ فرقة الماسة عرضها، معلنة عن انطلاق مهرجان ثقافي أفريقي- عراقي لمدة يومين في البصرة، جنوب العراق. حيث تقدّم الفرقة للجمهور موسيقى وألحاناً غنية وعاطفية للفلكلور الأفريقي – العراقي؛ وهو تقليد متوارث عبر الأجيال، ومتجذر بعمق في تاريخ الهجرة في المنطقة.

يقف مشعل الزيادي، مؤسّس وقائد الفرقة الموسيقية البالغ من العمر 27 عاماً، بفخر وسط المسرح، حيث ينتقل الجمهور إلى إيقاعات الموسيقى التي تدربت عليها الفرقة مراراً وتكراراً، ويحفظونها عن ظهر قلب.

ولدَ مشعل ونشأ في قضاء الزبير بمحافظة البصرة؛ وهو من أصل أفريقي عراقي. وعلى الرغم من أنّ طفولته تميزت بالحرب والصراع والتمييز في كثير من الأحيان، إلاّ أنه يحمل ذكريات عزيزة عن طفولته: المنازل المبنية من الطين في منطقته، والألعاب التقليدية في باحة الدار، والإيقاعات الأفريقية -العراقية المبهجة، والمرة الأولى التي حمل فيها آلة الطار التقليدية.

البصرة، حيث ينتمي مشعل، هي موطن لأحفاد المهاجرين والمستعبَدين الذين وصلوا إلى المنطقة من شرق وجنوب إفريقيا، أوائل القرن التاسع الميلادي. 

يستعد مشعل وزملاؤه للأداء في مهرجان سكة الثقافي في البصرة. الصورة: © المنظمة الدولية للهجرة 2024/أحمد كاكة

"تعلمنا موسيقانا من خلال مشاهدة الآخرين والاستماع إليهم. حيث اعتاد والدي وأبناء عمومتي العزف على هذه الآلات في حفلات الزفاف والمناسبات. وصرتُ أنجذب إليها شيئاً فشيئاً من خلال الملاحظة" يقول مشعل عن شغفه المبكّر بالآلات الإيقاعية التقليدية. ويشعر مشعل أيضاً أنّه مسؤول عن نقل ثقافته وتقاليده: "نحن نشرك الأطفال في التجمعات العائلية، وهم يحبونها. الأمر يجري في عروقهم" كما يقول بفخر. يحلم مشعل أن يعلّم أطفاله الموسيقى والثقافة والقيم الخاصة بتراثه، وضمان استمرارها.

لتحقيق هذا الحلم، أسّس مشعل فرقة الماسة، وهي فرقة فولكلورية أفريقية-عراقية، مع خمسة من أصدقائه المقرّبين. ويضيف: "إنّ تأسيس فرقة ما، لا يقتصر فقط على تشكيل مجموعة. بل إنّ الأمر يتعلق بجهد حقيقي لدعم التقاليد والحفاظ على إرثنا. وأنا أريد أن يرى الجميع ثقافتنا ويقدّرها".

الرحلة لم تكن سهلة. فأعضاء الفرقة احتاجوا إلى تعلّم الموسيقى من الصفر، دون أيّ دعم مالي. وكان عليهم الحصول على آلات نادرة ومكلّفة من دول الخليج. وعلى الرغم من التحديات، كان مشعل يحظى دائماً بدعم والده، وما يزال يسأله عن سبل تحسين أدائه.

يفخر مشعل بمشاركة تراثه الثقافي مع مجتمعه وخارجه. الصورة: © المنظمة الدولية للهجرة 2024/أحمد كاكة

"الفن الشعبي عزيز على قلبي" يقول مشعل. "أنا فخور جداً بذلك. وكل مناسبة أديرها، يجب أن تتضمن هذا النوع من الموسيقى. إنها جزء من هويتي، ومن شخصيتي"

اليوم، يبلغ عدد أعضاء الفرقة 12 عضواً، وتحظى بشعبية في المجتمع. الصورة: © المنظمة الدولية للهجرة 2024/أحمد كاكة

كان مهرجان سكة الثقافي الأخير في البصرة، الذي تمّ تنظيمه بدعم من المنظمة الدولية للهجرة وسفارة الولايات المتحدة في العراق، ذا مغزى خاص لمشعل؛ كونه جمع أكثر من 200 من أفراد المجتمع للاحتفال بالفن والثقافة والتراث الأفريقي -العراقي. فمن النادر أن تحدث مثل هذه الأنشطة، وبالنسبة لمشعل، كان المهرجان فرصة لتسليط الضوء على مساهمات المجتمع الأفريقي - العراقي في فسيفساء الثقافة العراقية.

إلى جانب الاستمتاع بالموسيقى الأفريقية - العراقية، يمكن لضيوف المهرجان مشاهدة الملابس التقليدية وتجربة الحناء على اليد. الصورة: © المنظمة الدولية للهجرة 2024/ أحمد كاكة

يحلم مشعل بالمستقبل، ويتطلع إلى مشاركة الفولكلور الأفريقي - العراقي خارج العراق، وتقديمه للجماهير في البحرين والكويت وقطر. فمشعل يعتقد أنّ هناك قواسم ثقافية مشتركة مع مجتمعات أخرى من المنحدرين من أصل أفريقي. كما يأمل مشعل في الحصول على دعم حكومي أكبر للحفاظ على تراث مجتمعه والترويج له.

 يضيف مشعل "هناك حاجة إلى تعريف المزيد من الناس بالثقافة الأفريقية-العراقية - من خلال المهرجانات وحفلات الزواج والأمسيات الرمضانية". مع كل ضربة على الطار، يوصل مشعل الماضي بالحاضر؛ كونه سفيراً حقيقياً للثقافة الأفريقية - العراقية.

بالشراكة مع منظمة دورورال، وبدعم من سفارة الولايات المتحدة في العراق؛ تنفّذ المنظمة الدولية للهجرة مشروع "السكة" لإحياء التراث الثقافي الأفريقي – العراقي، وتعزيز الحوار بين المجتمعات المحلية في البصرة. كما يهدف هذا الدعم إلى معالجة العديد من التحديات التي يواجهها المجتمع الأفريقي العراقي، مثل التهميش الاجتماعي، وتدني التحصيل العلمي، والبطالة والفقر؛ من خلال تسليط الضوء على ثقافة هذا المجتمع، وزيادة الوعي المجتمعي، ودعم هويته الاجتماعية والثقافية. يسعى المشروع إلى تعزيز فهم الهوية الثقافية الأفريقية- العراقية، مع تعزيز الاندماج المجتمعي والقدرة على الصمود داخل المجتمع.