قصص
By:
  • سحر الصفوري | قسم الإعلام والاتصال

مع محدودية الوصول إلى الفرص والضغوط المجتمعية، تواجه المرأة العراقية العديد من التحديات في ريادة الأعمال. لكن النساء العراقيات معروفات بإرادتهنّ القوية. وهذا الطموح والرغبة في التغلب على التحديات الاجتماعية هو القاسم المشترك بين ثلاث نساء خطونَ خطوات واسعة في مجال عمل ذكوري في الغالب.

وسعياً منهنّ لبناء مستقبل أفضل والحصول على فرص أكثر إنصافاً لأنفسهنّ ولمجتمعاتهن، أصبحت بيان وآلاء وسلوى قدوات ونموذجاً للعديد من النساء والفتيات في العراق.

بيان مجيد: قصة شفاء وأمل

تقف بيان مجيد بفخر بين جدران مرسمها النابضة بالحياة في السليمانية. بيان تجد في مرسمها مساحة تجسّد هويتها ذات الأوجه المتعددة؛ فهي رسّامة وناشطة وأم لثلاثة أطفال. أسّست بيان معرضها في عام 2016، أثناء ذروة صراع داعش؛ فصار المرسم ملاذاً وسط الاضطرابات والتوترات في العراق، لمن يبحث عن الهدوء والاسترخاء، حيث يمكن لزوارها مشاهدة اللوحات والمشاركة في الدورات الفنية.

ترى بيان أن "الفن ليس فقط شكلاً من أشكال التعبير عن الذات. بل هو وسيلة لتنقية الروح أيضاً، وسبيلاً للتحرّر من المعاناة". وهذه القناعة هي التي قادتها إلى البدء في تعليم فن الرسم للسكان الضعفاء.

"أنا لا أخلق الفن فقط. بل أصنع فنانين أيضاً"، تقول بيان بابتسامة تعكس افتخارها بعملها وبتشجيعها للإبداع.

من خلال صندوق تطوير المشاريع (EDF) المُدار من المنظمة الدولية للهجرة، تلقت بيان منحة نقدية مكنتها من نقل مرسمها من بيتها إلى معرض أكبر ضمن مقهى. كما اشترت طابعة صور ومعدات أخرى، مما مكنها من طباعة لوحاتها الرقمية، وعرضها للبيع، وتوسيع نطاق عملها وضمان استدامة مالية إضافية. كما مكنّها هذا الدعم من توظيف أربعة موظفين إضافيين في معرضها ومقهاها.

بيان في معرضها ومقهاها في السليمانية، شباط 2024. © المنظمة الدولية للهجرة 2024، الصورة: سيفان عبد الغفور

آلاء عادل: تغيير المَسار

عبر الشوارع المزدحمة في حيّ الكرّادة ببغداد، قصة فريدة أخرى من الصمود والإبداع. صنعت آلاء عادل لنفسها اسماً في صناعة عادة ما يهيمن عليها الرجال في العراق، وهي تصميم الأزياء.

لعدّة سنوات قبل أن تتجّه إلى عالم تصميم الأزياء، اعتادت آلاء على ارتداء قبعة مختلفة، هي قبعة أستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد. في عام 2022، شجّعها شغفها بالتعبير الإبداعي وريادة الأعمال، إلى جانب دعم زوجها وأطفالها لها، على تجاوز الحدود المألوفة في الأوساط الأكاديمية. وإدراكاً منها لمحدودية الخيارات في صناعة الأزياء المحلية، والسوق التي تعتمد بشكل كبير على الملابس المستوردة، وجدت آلاء ضالتها في سوق للملابس المصممة والمنتجة محلياً. فأسست ورشة لتصميم الأزياء الخاصة بها في بغداد وأطلقت علامتها التجارية " Iraq Couture".

ساعدت منحة من صندوق تطوير المشاريع (EDF) المُدار من المنظمة الدولية للهجرة آلاء على توسيع نطاق عملها، من خلال شراء آلات خياطة جديدة وأقمشة ومواد تغليف وأثاث ومستلزمات ورشتها، فضلاً عن عقد شراكات تسويقية جديدة وتوظيف خمسة موظفين إضافيين.

نهجها التجاري المبتكر الذي يعتني بكل التفاصيل؛ من التصنيع إلى جلسات التصوير داخل ورشة العمل، هو ما يميّز آلاء عن غيرها العاملين في مصانع الخياطة التقليدية. ولم يعد عملها مصدر إلهام لرائدات الأعمال الأخريات فحسب، بل خلق أيضاً بيئة مواتية للمصمّمات الشابات، مغيّراً الصورة النمطية عن ريادة الأعمال النسائية في بغداد.

آلاء في ورشتها في بغداد، شباط 2024. © IOM 2024، الصورة: سحَر الصفّوري

سلوى أحمد: زراعة الأحلام

بعيداً عن الضوضاء وصخب مدينة بغداد، هناك في اللطيفية سهول خصبة ومجتمعات ريفية. وهنا، تدير سلوى أحمد مشروعها الخاص بتربية ماشية أسرتها، وهو عمل يقتصر على الرجال عادة في العراق.  

منذ طفولتها، كانت سلوى تعشق حياة الريف والزراعة. وبتشجيع ودعم من أسرتها، بدأت سلوى من الصفر واستثمرت أرباحها في توسيع مشروعها.

تقول سلوى: "كلّما أدخرت بعض المال، استثمرته في شراء أغنام جديدة." ومن خلال تفانيها، نما قطيعها إلى 35 رأساً من الأغنام، مما مكنّها من الحصول على دخل من بيع الصوف ومنتجات الألبان وتجارة الأغنام، فصارت قدوة للنساء الأخريات في مجتمعها.

رحلة سلوى، لا تتعلق فقط بنموّ مشروعها شخصياً، بل بالمساهمة في رفاهية أسرتها أيضاً. "أنا أدفع جميع نفقات أسرتي من هذا العمل" تقول سلوى، بمشاعر ملؤها الفخر.

حصلت سلوى على منحة برنامج دعم سبل العيش الفردية المدار من المنظمة الدولية للهجرة، مما ساعدها على توسيع مشروعها وشراء أغنام إضافية ومستلزمات لعملها.

سلوى في مزرعتها بضواحي بغداد، شباط 2024. © IOM 2024، الصورة: سحَر الصفّوري

يُعّد صندوق تطوير المشاريع المُدار من المنظمة الدولية للهجرة نهجاً مبتكراً يدعم سُبل العيش على مستوى المجتمع للمساهمة في تحقيق الانتعاش الاقتصادي وتنشيط القطاع الخاص، من خلال استهداف المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ويوفر الصندوق رأس المال النقدي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاعات الاقتصادية الأولية والثانوية وغيرها التي تشهد طلباً مرتفعاً على العمالة، بهدف تحقيق الانتعاش الاقتصادي والتنمية الاقتصادية الشاملة بعد انتهاء الصراع. ويتبع الصندوق عملية اختيار متعددة المراحل يتم فيها تسجيل المشاريع بناء على خوارزمية خاصة، تليها عملية العناية الواجبة الصارمة. وقد تم اتباع نفس العملية في اختيار المشاريع المندرجة ضمن قطاعات أخرى لصندوق تطوير المشاريع، مع مراعاة سياقاتها وخصائصها المميّزة. إضافة إلى ذلك، يستهدف صندوق تطوير المشاريع – النساء (EDF-W) المشاريع المملوكة للنساء، بهدف زيادة تمثيل المشاريع النسائية وتشجيع مشاركة المرأة في القوى العاملة. إذ يهدف صندوق تطوير المشاريع - النساء بالدرجة الأولى إلى دعم المشاريع التي تقودها النساء خلال تسهيل وصولهنّ إلى رأس المال، ودعم دخول الباحثات عن عمل اللواتي يواجهن حواجز ثقافية واقتصادية واجتماعية، إلى سوق العمل.

برنامج دعم سبل العيش الفردية (ILA) هو مبادرة رئيسية أخرى للمنظمة الدولية للهجرة في العراق؛ مصمم خصيصاً لتمكين الأسَر الضعيفة من تحقيق الاستقرار الاقتصادي وخلق سبل عيش مستدامة. إذ يهدف هذا البرنامج إلى تزويد الأفراد بالمهارات التي يحتاجونها لدخول سوق العمل، وتطوير مهاراتهم المهنية المطلوبة لممارسة التجارة أو المهنة. ويشمل ذلك؛ التدريب المهني، وتمويل المشاريع في شكل مِنَح نقدية للمشاريع الصغيرة الجديدة والمتوسعة. فمن خلال تزويد الأفراد بالأدوات والمعرفة اللازمة، سيصبح بإمكانهم توليد الدخل إضافة إلى التمتع بالصمود والاستقلالية.

تجارب بيان وآلاء وسلوى، تختلف اختلافاً كبيراً من حيث السياق، لكنها تشترك في كونها نمط فريد من التمكين الاقتصادي للمرأة في العراق. بيان وآلاء وسلوى يمنحنَ الأمل والصمود لجيل من النساء يحلم ببناء مستقبل أكثر إشراقاً لأنفسهنّ وعائلاتهنّ ومجتمعاتهنّ.

 

تحققت هذه المبادرات بدعم سخيّ من الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA) وحكومة ألمانيا من خلال بنك التنمية الألماني (KfW).

أقرأ باللغة الكردية