قصص
By:
  • سيفان محمد سليم

واجهت سيبا، وهي قرية صغيرة تقع في قضاء سنجار، تحديات كبيرة منذ أن تعرضت لهجمات من قبل تنظيم داعش في عام 2014. وبعد عشر سنوات، في يوم عاصف من شهر آذار، تطوّع بعض أهالي القرية ليكونوا جزءاً من الحلول للعودة والتعافي، وتشجيع المزيد من النازحين على العودة إلى قريتهم.

في آذار 2024، احتفلت المجموعة بنجاحها، من خلال افتتاحها مركزاً للشباب كانت القرية بأمّس الحاجة إليه، نظراً لأهميته للأهالي الذين الذي عادوا مؤخراً من مخيمات النازحين؛ الأمر الذي أحيا فيهم الأمل بعد عشر سنوات من النزوح. 

يقف دخيل مجو إلياس بفخر على المنصّة؛ وهو أحد المتطوعين الذين قرروا العودة إلى قريته في عام 2019 بعد خمس سنوات من العيش في أحد مخيمات محافظة دهوك. بسبب حجم الدمار وسنوات من الإهمال، لم تكن القرية صالحة للعيش، مما اضطره إلى العيش في قرية خانَصور القريبة؛ الأمر الذي سلّط الضوء على الحاجة إلى إعادة تأهيل القرية، من خلال تشكيل مجموعة من المتطوعين تعمل على دعم النازحين العائدين وإعادة بناء حياتهم. وهكذا، ولدت مجموعة شباب سيبا في عام 2021.

يقول دخيل: "بدأنا المجموعة بـ 12 عضواً، هم تسعة شباب وثلاث شابات. وتمثل هدفنا المشترك في المساهمة في إعادة إحياء قريتنا، مسقط رأسنا، حيث أنيطَ بكل واحد منّا دور محدد في إحياء القرية. ولتسهيل التواصل، أنشأنا مجموعة على تطبيق واتساب".

ان الحاجة إلى إعادة بناء سيبا كانت واضحة ليس فقط لدخيل، بل لكل من زار القرية من أهاليها النازحين للاطمئنان على منازلهم، بما في ذلك، جليلة.

تتذكر جليلة، ذات التسع عشرة عاماً، أن عودتها وأسرتها إلى سيبا لم تخلُ من صعوبات. "كان الأمر مخيفاً في البداية. كانت هناك عظام بشرية متناثرة في كل مكان. ولم تكن هناك مياه نظيفة؛ فالآبار كانت ملوثة. لا دكاكين، ولا مدرسة؛ كما أن دارنا كانت مدمّرة، حالها حال بقية الدور".

وتتابع جليلة: "اضطر إخوتي الصغار للعيش مع أختي الكبرى في قرية أخرى، من أجل الذهاب إلى المدرسة؛ كما اضطر أخي للسفر إلى بلدة سنوني، من أجل العمل وتوفير لقمة العيش".

وبمجرد أن بدأت الأسَر بالعودة، وبعد أن باشرت المنظمة الدولية للهجرة أنشطتها في المنطقة، شكلت جليلة وأقرانها مجموعة تطوعية مجتمعية، مثل مجموعة دخيل.

تضيف جليلة: "أسّسنا مجموعتنا لكي تكون همزة وصل بين المنظمة الدولية للهجرة وبين الأهالي. وبعد تدريبنا من قبل المنظمة الدولية للهجرة، تمكنّا من مساعدة العائدين الجدد، من حيث تسجيل أسمائهم وإزالة الأنقاض من منازلهم".

عندما اجتمعت مجموعتا دخيل وجليلة في سيبا، وُلدت لديهما على الفور فكرة واحدة: وهي اندماجهما في مجموعة واحدة، من أجل توحيد الجهود وإحداث تأثير أكبر.

لكن واجهتهما مشكلة: لم يكن لدى المجموعتين مكان مناسب للاجتماع ومناقشة أفكارهم ومشاريعهم المجتمعية.

يقول دخيل: "حولنا دكانا قديمة في السوق إلى مقّر لاجتماعاتنا. وفي بداية الأمر، لم يكن لدينا حتى كراسي لنجلس عليها.

لكننا ساهمنا بما لدينا من مال، واشترينا كراسي ومناضد، وحولنا الدكان إلى مركز مجتمعي. وكان أول مشروع مجتمعي ولَد من ذلك المكان، هو حملة لتنظيف القرية وإزالة آثار الحرب، مع التركيز على الشوارع والمراكز الصحية ودوائر خدمة المجتمع الأخرى. وبعد أن انتهينا من ذلك، باشرنا العامل على الأنشطة الخيرية، كالتطوع لدفن جثث ضحايا داعش في قرى أخرى، مثل كوجو."

في مطلع عام 2023، لفتت أنشطة المجموعة انتباه فريق المنظمة الدولية للهجرة، والتقى الفريق بأعضائها في مناسبات عدّة، من أجل فهم احتياجاتهم واستكشاف الفرص المحتملة لدعمهم.

وشددت المجموعة على أهمية وجود مكان ملائم للمناسبات والتواصل الاجتماعي، معتبرة أن الروابط الاجتماعية بين الأهالي قد تأثرت سلباً بعد هذه الفترة الطويلة من النزوح. فكان أن عملت المنظمة الدولية للهجرة مع هذه المجموعة الشبابية على تخصيص مساحة مجتمعية، يمكن استخدامها كمركز للشباب. وبحلول نهاية كانون الأول 2023، أعيد تأهيل المكان بما يتناسب مع احتياجات المجموعة.

كما وضع الفريق الفني للمنظمة الدولية للهجرة، خطة شاملة لبناء القدرات وتزويد الشباب بالمهارات اللازمة للاستجابة لقضايا محددة، مثل الحماية العامة، والإحالات الآمنة، وتحديد مزودي الخدمات وأصحاب المصلحة، وآليات حشد المجتمع، وحلّ النزاعات، والتواصل بين المجتمعات، وإعداد العروض والميزانية، وإدارة المعلومات، وحماية البيانات.

وشكّل افتتاح مركز الشباب علامة فارقة في تقدّم المجموعة نحو هدفها. ورغم موارده المحدودة، يضّم المركز الجديد حالياً مكتبة وغرفة اجتماعات ومجموعة من الآلات الموسيقية وملعباً للأطفال.

قال دخيل خلال حفل افتتاح مركز الشباب: "إنه لمن دواعي اعتزازي وامتناني أن أقف أمامكم اليوم، بدأت رحلتنا مع شعورنا أن أهلنا بحاجة ماسّة لوضع حدٍ لنزوحهم والعودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم. ومن خلال تفانينا وعملنا الجاد، تمكنّا من تحويل رؤيتنا إلى حقيقة ملموسة. ولقد ساهم دعم المنظمة الدولية للهجرة إلى حدّ كبير في تسهيل جهودنا وتحقيق حلمنا".

وأكمل قائلاً: "ولتحقيق أهدافنا لهذا العام، سوف ننظم ورشات عمل تعليمية، بعضها للأميين؛ وأخرى لتعليم الموسيقى والرسم؛ وسوف نبني روضة للأطفال. وعلينا أن نعمل معاً يداً بيد لتحقيق أهدافنا. فلا شيء مستحيل ما دمنا يداً واحدة".

وفي روضة الأطفال، بدأت جليلة بتعليم القراءة والكتابة للأمييّن في المركز إلى جانب ثلاثة متطوعين آخرين. تقول جليلة: "أنا فخورة أنني استطعت أن أساعد أهلي على العودة إلى حياتهم الطبيعية، بفضل الفرصة التي أتاحها لي هذا المركز. لقد تحسّنت سيبا كثيراً، لكن الطريق ما زال طويلاً".

زادَ المركز من أنشطته، التي شملت أنشطة ترفيهية مثل دورات الموسيقى للشباب.

 

تقول ثريا، ذات الثمانية عشرة عاماً، وهي إحدى المشاركات في الدورة: "الأمر بمثابة حلم بالنسبة لي، فلطالما كنت مولعة بالغناء والعزف على آلة موسيقية مثل الجيتار والطنبور".

ما يزال مجتمع سيبا بعيداً عن الكمال، وما يزال يعاني من احتياجات ونواقص. لكنه نهض من الرماد بفضل جهود المتطوعين، ليتألق وينير الدرب كمنارة أمل لجميع المجتمعات الأخرى المتضررة من الحرب والنزوح.

 

أقرأ باللغة الكردية