قصص
By:
  • رفل عبداللطيف | مساعد اقدم في قسم الاعلام

في البقعة التي يهمس فيها التاريخ من كل زاوية تعتبر أرض الرافدين أرض الفرص والعمل منذ قديم الزمان.  ووسط تحديات إعادة البناء والتنشيط، يقف ثلاثة من أصحاب الأعمال كمنارات للأمل والابتكار، وتتشابك قصصهم مع دعم المنظمة الدولية للهجرة في العراق.

معمل خياطة أرض الحضارة: نسج الماضي في المستقبل

سلام أحمد، حاصل على بكالوريوس الهندسة الكهروميكانيكية من الجامعة التكنولوجية. عمل سلام في محل لبيع الألبسة في منطقة الكرادة وسط بغداد في الوقت نفسه الذي كان فيه طالبا. حبه للألبسة والازياء يفوق الوصف مما دفعه أن يعمل على إنشاء مشروعه الخاص لخياطة الألبسة بعد التخرج.

يقول سلام "بدايتي كانت في عام 2018 حيث كنت أعمل كمهندس في اختصاصي، ولكن كان حلمي هو أن أفتتح عمل تجاري خاص بي، و بعد رحلة من العمل الجاد حققت حلمي."

كان سلام يركز على تقديم منتجات عراقية مميزة، ففي بداية مسيرته كان يرسل التصاميم الى معامل الخياطة في تركيا ويستلم المنتجات ويبيعها في العراق، ولكن الوقت والتكلفة مثلت تحديات أمامه؛ حيث كان يدفع مبالغ باهظة للشحن من تركيا وينتظر لوقت طويل حتى يستلمها ويوزعها في السوق.

بدأ سلام بإنشاء مشروع معمل خياطة الألبسة، ولكن كان بحاجة الى تطويره. وفي ٢٠٢٠ قدم على دعم من صندوق تطوير المشاريع وقام بتوسيع مشروعه مما سمح له بابتكار تصاميم جديدة ومعدلات إنتاج أكثر وأسرع لتجهيز الطلبيات التي يستلمها  بجودة عالية قياسا بالمنتج الذي كان يستورده سابقًا من خارج العراق.

يقول سلام "بدأت بالتفكير لماذا لا أخيط الألبسة في العراق؟ خصوصًا مع صعوبات الشحن وتغيير العملة، كما كانت هناك تحديات كبيرة مثل العمالة والكلفة ومما شجعني أكثر هو عدة عوامل بالحقيقة منها حب المهنة بشكل خاص كما لدي حب للوطن وللهوية العراقية في مجال صناعة الألبسة. قبل المنحة كان لدي 10 عمال والآن لدي 19 عاملًا، الأمر الذي ساعد على سرعة إنجاز الطلبيات وتجهيزها."

سلام الآن بصدد التعاون مع أمازون فرع المملكة المتحدة لكي يعرض بضاعته تحت شعار "صنع في العراق" ويعمل على إنشاء خطة تسويقية للترويج عن بضاعته لكي تصل إلى أبعد مكان في العالم.

روضة كوثر الرحمن: تنمية الإمكانيات في كل طفل

إن روضة كوثر الرحمن هي ملاذ آمن يتم فيه منح الأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد الأدوات اللازمة لتحقيق النجاح.

لقد أدى التزام سميرة نود سلمان بالشمول والتعليم إلى خلق مساحة يتم فيها الاحتفاء بالاختلافات ورعاية إمكانيات كل طفل، كما لعبت المساعدة التي قدمها صندوق تنمية المشاريع التابع للمنظمة الدولية للهجرة دورًا كبيرًا في توفير بيئة رعاية تعزز النمو والتعلم والقبول.

تنفيذًا لرغبة الأهالي قررت سميرة افتتاح قسم للأطفال الذين لديهم توحد داخل الروضة لاسيما أن وجود هكذا أقسام يكون في مناطق بعيدة جدًا عن سكن العوائل بالإضافة إلى تكاليف التنقل العالية. ومراعاة لذلك، استقبلت سميرة كل طفل يحتاج الى رعاية خاصة كما اجرت استثناء بعدم استلام مخصصات المعهد من العوائل التي ليست لديها الإمكانية المالية للدفع.

تقول سميرة: "ان قسم التوحد يحتاج مناهج خاصة ومدربين ومدربات من اختصاص علم النفس والاجتماع بالإضافة إلى وسائل تعليمية خاصة بهم وسبل راحة محددة كأثاث وكراسي ووسائل إيضاح وألعاب وهذه تكون مكلفة جدًا لأن هذا الطفل ليس كأي طفل حيث يحتاج إلى اهتمام كبير ورعاية خاصة والذين يقدمون هذه الخدمات يجب أن تكون أجورهم مختلفة وعالية."

لقد تأسست الروضة في عام 2000، الأمر الذي يجعل إنشاء قسم للأطفال الذين لديهم حالة التوحد داخل الروضة تحديًا كبيرًا، فالروضة تحتاج الى جهود وترميمات وترتيبات خاصة لخلق بيئة مناسبة للأطفال الذين لديهم حالة التوحد.

وضحت سميرة خطتها للمشروع قائلة: "درست الفكرة وأجريت دراسة جدوى ثم قدمت على منحة المنظمة الدولية للهجرة وتم قبولي. بدأت بتوسيع العمل، وكان العدد في البداية 6 أطفال، الآن لدي 150 طفل والعدد في ازدياد بفضل المنحة التي ساعدتني على توسيع المشروع."

وأكملت: "كانت المنحة ضرورية حيث فتحت مشروعًا خاصًا بقسم الاطفال الذين يعانون من التوحد، استهدفت بشكل خاص الاطفال من عمر سنتين إلى ست سنوات لأن معظمهم يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية."

ويوميًا، ترى سميرة الأطفال الذين يعانون من حالة التوحد يشعرون بالسعادة داخل الروضة ويتفاعلون بصورة إيجابية مع بقية زملائهم.

وبفضل منحة صندوق تطويرالمشاريع التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، والتي كانت بدعم الوكالة الكورية للتعاون الدولي تم تجهيز القسم بكافة المواد اللازمة لتوفير بيئة صديقة للأطفال.

اختتمت سميرة قائلة: "لقد كنت متفائلة منذ بداية حصولي على المنحة، مما سمح لي بتوظيف 7 موظفين جدد وأنا في صدد تطوير القسم، كما ساهمت المنحة في مشاركتي بورشة عمل لتحسين (مهارات) التسويق مما ساعد بتوسيع العمل بصورة أكبر، إن واجبي الانساني سيظل مستمرًا في هذه المسيرة التربوية لخدمة شريحة الأطفال، وخصوصًا الذين يعانون من حالة التوحد، كما أعمل على توسيع المشروع الذي تدعمه المنظمة الدولية للهجرة."

دار الصفار للطباعة والنشر: توسيع خيال الاطفال

فواز حسام عبد الحليم الصفار، صاحب الرؤية وراء دار الصفار للنشر ورئيس تحرير مجلة "أصدقائي"، كرّس خبرته لمجلة تهتم بالطفل العراقي، وهي مجلات بمثابة بوابات لعوالم العجائب، وتعزيز حب القراءة والتعلم لدى أطفال العراق.

 

قال فواز، 48 عامًا، "إن هذه هي مهنة العائلة، حيث كان والدي من رواد الصحافة وعمل في العديد من الصحف المحلية، حيث كان لديه دار نشر باسم (السفير) وكانت تهتم بثقافة الطفل، بعدها قررت تغيير الاسم في عام 2018 إلى اسم العائلة (الصفار)"

وأكمل فواز "كانت تسمية مجلة (أصدقائي) تيمّنًا بأصدقاء الطفولة الذين مازلنا أصدقاء إلى الآن، رغم أن أغلبهم هاجروا إلى خارج العراق، ولكن الصداقة بقيت مستمرة واعتزازًا بهم قررت تسمية المجلة بهذا الأسم."

كانت دار نشر الصفار تطبع المواد في خارج العراق، ولكن بعد منحة صندوق تطوير المشاريع المدارة من قبل المنظمة الدولية للهجرة وبدعم من بنك الائتمان الألماني لإعادة التنمية، أصبح طبع المجلات ممكنًا داخل العراق، مما أدى إلى تقليل النفقات التي كان يتحملها فواز للطبع والشحن من خارج العراق. كما زاد عدد الموظفين من 4 إلى 10، مما وفر جهدًا كبيرًا، وأصبح النشر أسرع وجودة الطباعة عالية ليستمتع الاطفال بقراءة المجلة.

أضاف فواز " من خلال دورة 'حسن عملك', سأطور عملية النشر والتوزيع لكي تصل لكل طفل. ومن هذه الخطط، إيصال هذه المطبوعات الى الجاليات العراقية في الخارج في امريكا وأوروبا، خصوصًا لأن هناك العديد من الاطفال العراقيين الذين يعيشون في الخارج ويحتاجون لممارسة لغتهم الأم."

إن الدعم الذي قدمه صندوق تطوير المشاريع والرؤى الإستراتيجية من تدريب "حسن مشروعك" الذي صمم من قبل منظمة العمل الدولية، مكن فواز من توسيع نطاق وصوله، مما يضمن أن بذور المعرفة التي يزرعها اليوم سوف تزدهر ليصبح الاطفال قادة الغد.

ان الدعم المقدم من المنظمة الدولية للهجرة لا ينتهي بمنحة صندوق تطوير المشاريع، بل يهدف إلى تطوير قدرات المشاريع المدعومة لتكون جاهزة للاستثمار في المستقبل. يتم ذلك عن طريق تعزيز قدراتهم ومهاراتهم في إدارة مشاريعهم من خلال جلسات التوعية المصرفية، وجلسات تدريبية على معايير العمل التي تشمل مواضيع متنوعة منها تسجيل النشاط التجاري، قانون العمل، والسلامة المهنية. بالإضافة إلى ذلك، تقدم دورات لتحسين المشروع مثل دورات التسويق، حفظ السجلات والمحاسبة، التخطيط للعمل، بالإضافة إلى خدمات الإرشاد وخدمات أخرى لتطوير المشاريع.

في الأيام (21-22 نيسان 2024)، شارك سلام وسميرة وفواز في دورة (حسّن مشروعك – التسويق) والتي تهدف إلى تعزيز مهاراتهم في ريادة الأعمال وزيادة المبيعات من خلال جذب العملاء والاحتفاظ بهم. لقد تعلموا أهمية التسويق للشركات واكتسبوا نظرة ثاقبة حول كيفية وضع منتجاتهم بشكل استراتيجي في السوق. علاوة على ذلك، تعلموا العناصر السبعة المتداخلة للتسويق (المنتج، السعر، الترويج، المكان، الأشخاص، العملية، والأدلة المادية). كما أرشدهم التدريب إلى كيفية تحديد وإيجاد أسواق جديدة لمنتجاتهم وخدماتهم.

إن المشاركة في أنشطة المنظمة الدولية للهجرة، بما في ذلك التدريب وورش العمل، لا تعزز معرفة المشاركين وتطور مهاراتهم فحسب، بل تعزز أيضًا العلاقات التجارية مع أصحاب الأعمال الآخرين. تساعد هذه الأنشطة في التواصل مع الشركات في مراحل مختلفة من سلسلة القيمة الخاصة بها. وتم تسليط الضوء على هذه المزايا الإضافية لسلام وسميرة وفواز. بالنسبة لأصحاب الأعمال من الإناث، الذين غالبًا ما تكون لديهم فرص أقل في السوق، تساعد هذه الأنشطة في إنشاء قنوات اتصال وشبكات بينهم.