قصص
By:
  • ميغان جيوفانيتي

العراق، 18 كانون الثاني: قد تذهب الأمهات إلى أقاصي الأرض لحماية أطفالهن. وهذا هو حال جيلين من الأمهات: نجلاء وعائشة. نجلاء، أم عزباء، ووالدتها عائشة، ناضلت لسنوات بقوة وإصرار من أجل الحصول على حضانة فرح البالغة من العمر تسع سنوات. اليوم، تشعر الأسرة براحة بعد إثبات نسب فرح لوالدتها نجلاء، قانونيًا، دون إجراء اختبار الحمض النووي - وهي أول حالة ناجحة من نوعها في محافظة كركوك في العراق.

قالت عائشة: "حتى لو كان لدينا العديد من المشاكل والصراعات في حياتنا، إلا أن هذا الموضوع كان مشكلتنا الأكبر". لعدم توفر التوثيق المدني الصحيح، لم تتمكن فرح من الاستمرار في المدرسة ولا طلب الخدمات الحكومية باسمها. وهذا هو المصير الشائع للأطفال الذين ولدوا في وقت سيطرة داعش في عام 2014، حيث لم يتم تسجيل العديد من الزيجات والولادات بشكل قانوني، ولا يزال العديد من المولودين في السنوات الأخيرة متأثرين بهذه المشكلة. ولا يزال اختبار الحمض النووي الذي أمرت به المحكمة والذي يبدأ عملية توثيق الطفل يشكل عقبة كبيرة متنازع عليها أمام العديد من العوائل في العراق. "الآن بعد أن تم حل المشكلة، يمكننا النوم ونحن مرتاحون. تستطيع فرح الذهاب إلى المدرسة، ويمكننا العمل على بطاقة هويتها المدنية."

لكن كان لنجلاء وعائشة قلق أكبر من هذه القائمة الطويلة من المشاكل: فمع غياب الأب وعدم وجود وثائق مدنية، يمكن أن تؤخذ فرح من والدتها من قبل عائلة والدها التي تطالب بالحضانة. وسبق أن فقدت عائشة حضانة أطفالها بعد طلاقها من زوجها السابق؛ ولم تكن تريد أن تفقد حفيدتها أيضًا.

فُقد زوج نجلاء في عام 2017، مما اضطر النساء والفتيات في المنزل إلى أن يصبحن معيلات لأسرتهن. نزحت عائشة ونجلاء من الشرقاط خلال الصراع مع داعش، وتعيشان في موقع الخازران العشوائي في كركوك وتعملان بلا كلل لدعم فرح وابنة عمها الصغيرة. تدير نجلاء مشروعًا صغيرًا للخياطة بينما تقوم عائشة بجمع وبيع المواد القابلة لإعادة التدوير في جميع أنحاء المدينة. في كثير من الأحيان لم يكن هذا كافياً لتغطية نفقاتهم. علاوة على ذلك، كافحت الأسرة أيضًا لتوفير تكاليف المحامي والرسوم القانونية لقضية فرح.

قالت نجلاء: "قمت ببيع ذهبي واقترضنا المال من العائلة. لكننا جميعاً كنا نعمل بأجور يومية في الزراعة، حتى الأطفال». في كل شتاء، كانت المرأتان والفتاتان الصغيرتان تحصدان الذرة مقابل 13,000 دينار عراقي (حوالي 10 دولارات أمريكية) يوميًا. أدى هذا إلى تعطيل تعليم فرح عندما أصبحت بسن يؤهلها لدخول المدرسة الابتدائية، حيث فاتها ما يقرب من نصف الصف الأول الابتدائي.

وليس بسبب الاحتياجات المالية، فقد كان تعليم فرح مهددًا بسبب قضيتها القانونية نفسها. وكان إثبات نسبها قانونياً لوالدتها شرطاً ضرورياً للحصول على بطاقة الهوية المدنية التي تسمح لها بمواصلة تعليمها.

قالت فرح: "عندما أكون في المدرسة، نقرأ الكثير من الكتب. قالت معلمتي إن فاتني الكثير من الحصص، فلن أتمكن من النجاح، لكن في النهاية، فعلت ذلك. قرأت كل الكتب بمفردي. وفي بعض الأحيان تساعدني أمي وجدتي”.

وذكرت عائشة: “إنها ذكية للغاية وتجلب جميع نتائج امتحاناتها بعلامات عالية. حتى مدير المدرسة قال إنه سيكون من المؤسف ألا تتمكن من مواصلة دراستها، لأنها ذكية للغاية."

بشكل عام، دفعت الأسرة ما يقرب من مليون دينار عراقي (حوالي 770 دولارًا أمريكيًا) كرسوم قانونية لإبقاء فرح في المدرسة وتحت رعاية الأسرة - ولكن دون جدوى. قالت عائشة: "كانت المحامية السابقة مخيبة للآمال للغاية. لقد أخذت أموالنا ثم لم تفعل أي شيء."

سمعت نجلاء وعائشة عن الخدمات القانونية التي تقدمها المنظمة الدولية للهجرة من الجيران الذين تلقوا الدعم من مركز الاستشارات القانونية للنساء في كركوك. وبعد الاتصال بالمركز، قامت محامية المركز التابع للمنظمة الدولية للهجرة، مرال، بزيارة منزلية للأسرة.

قالت نجلاء: "كنا سعداء للغاية مع مرال. إنها جيدة جدًا وصادقة، مما جعلنا نشعر بالراحة في التحدث معها. وفي كل مرة كنا نذهب إلى المحكمة، كانت تأخذ الوقت الكافي لشرح كل شيء، لذلك وثقنا بها."

لعبت محامية الاستشارات القانونية للنساء التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في كركوك، مرال، دورًا فعالًا في تأمين إثبات النسب لفرح ونجلاء. الصورة: © المنظمة الدولية للهجرة 2024/ميغان جيوفانيتي

عملت مرال في قضية فرح لمدة عام تقريبًا. وكانت العقبات الرئيسية هي إجراء اختبار الحمض النووي وإقناع حماة نجلاء وعائلتها بالمشاركة. قالت مرال: "كان علي أن أتحدث مع [الحماة] بلطف شديد وأجعلها مرتاحة لإقناعها بمواصلة الحضور إلى المحكمة حسب الحاجة".

في مثل هذه الحالات، يتطلب النظام القانوني العراقي عادة إجراء اختبار الحمض النووي لإثبات نسب الطفل إلى الوالدين. ومنشأة الاختبار الوحيدة موجودة في بغداد، وهي رحلة طويلة ومكلفة يكاد يكون من المستحيل على النساء العازبات القيام بها. علاوة على ذلك، في حالة فقدان أحد الوالدين، يُطلب من أربعة أفراد من العائلة الثانية إجراء الاختبار. وهذا أمر رفضت حماة نجلاء القيام به بكل بساطة.

وقالت مرال: "هناك العديد والعديد من الحالات المشابهة في جميع أنحاء القرى في هذه المنطقة. حتى لو أردنا مساعدتهم، لا يمكننا ذلك لأن هذا هو القانون. نحن بحاجة إلى إيجاد حل آخر [لاختبار الحمض النووي]”.

وبدلاً من ذلك، في حال موافقة القاضي، يمكن لاثنين من أفراد أسرة الأب أن يكونا شاهدين على زواج الوالدين وولادة الطفل. وبسبب علاقة المنظمة الدولية للهجرة الطويلة الأمد مع نظام المحاكم في كركوك، سمح أحد القضاة المتعاطفين بشكل خاص بمواصلة المحاكمة من خلال الشهود. وقالت مرال: "يثق القاضي بمحامي المنظمة الدولية للهجرة لأننا لا نأخذ أموالاً من عملائنا ولأنهم يعرفون أننا ندقق النظر في القضايا قبل توليها".

وبعد عدة مكالمات منزلية ومناشدات عاطفية، تمكنت مرال من إقناع حماتها وفرد آخر من أفراد الأسرة بالشهادة. وبهذا وافق القاضي على إثبات نسب فرح.

قالت نجلاء: "عندما سمعت الخبر لأول مرة، أجهشت بالبكاء في قاعة المحكمة. قلت لأمي:’ لقد فعلنا ذلك!’ ثم عدنا إلى حينا واحتفلنا". حتى ومع القليل الذي كان لديهما، كانت نجلاء وعائشة تتشاركان الحلوى مع جميع جيرانهما ليبتهجوا بالخبر السار. وأكملت نجلاء قائلة "ثم ذهبنا مباشرة إلى المدرسة وقمنا بتسليمهم الأوراق لكي لا يتم إخراج ابنتي من الصف."

وذكرت فرح: "شعرت بالحزن عندما سمعت أنني لن أتمكن من مواصلة الدراسة". وذكرت والدتها كيف انها عادت إلى المنزل وهي تبكي في اليوم الذي طردها فيها المدير. ولكن مع حصولها على وثائقها المدنية، أصبحت فرح متحمسة للعودة إلى المدرسة مع جميع أصدقائها. وقالت: "أريد أن أصبح طبيبة عندما أكبر".

إن حب نجلاء وعائشة لفرح واضح وملموس، ويتجلى أكثر من أي وقت مضى من خلال التزامهما المطلق بتأمين مستقبلها تحت رعايتهما. ولم تذهب سنوات نضالهما سدى، وهما ممتنتان إلى الأبد لمرال التي قامت بتسريع وتسهيل العملية في النهاية.

شكرًا للمفوضية الأوروبي للحماية المدنية والمساعدات الإنسانية على دعمهم وتمكين محامي المنظمة الدولية للهجرة مثل مرال من تقديم خدمات عالية الجودة والتي يستحقها الشعب العراقي. 

يدعم البرنامج القانوني للمنظمة الدولية للهجرة المجتمعات المستهدفة بتقديم الخدمات القانونية والمشاركة الحكومية وتعزيز قدرات المنظمات والسلطات المحلية لتمكين الحصول على الهوية والوثائق المدنية والتعويضات وخطط الإصلاحات. وفي سياق النزوح، يعد الوصول إلى الوثائق وحماية حقوق السكن والأرض والملكية أمرًا أساسيًا لتحقيق حلول دائمة للسكان المتضررين من النزوح. حيث وصلت المنظمة الدولية للهجرة إلى أكثر من 13,000 فرد بالخدمات القانونية بحلول نهاية عام 2023 في جميع أنحاء العراق وتهدف إلى حل 14,000 حالة عاجلة في العام المقبل.

 

*تم تغيير بعض الأسماء لحماية خصوصية الأفراد